الصفحة الرئيسية

المملكة المتوكلية اليمنية والاستعمار البريطاني


<< السابق | التالي >>

كان الإمام يحيى في الحرب العالمية الأولى قد وقف على الحياد، فلا حارب الأتراك في جهاته مستغلاً الظرف، ولا شاركهم مع باقي قبائل اليمن الأسفل في حربهم القصيرة ضد المحميات في الجنوب والتقدم إلى لحج . وقد ضمنت له هذه السياسة الحفاظ على قواته التي سيستخدمها بعدئذ ضد جبهات متعددة . وقد قام الإنجليز رغم انتهاء الحرب واستعداد الأتراك للخروج من اليمن بالاستيلاء على تهامة حتى الحديدة ؛ لكي تكون مناطق مقايضة مع الإمام يحيى الذي أدرك الإنجليز- وبحكم طبيعة الأمور في اليمن - أن الإمام سيتطلع إلى تحرير الجزء المحتل من قبلهم وبسط سيطرته عليه.

وقد أخذ الإمام يحيى فعلاً وبعد خروج الأتراك من اليمن يتطلع إلى السيطرة على المناطق التي أخلاها الأتراك، بل ويتطلع إلى بسط سيطرته على المحميات في جنوب اليمن ، لكن الإنجليز - وجرياً على سياستهم المشهورة ((فرق تسد))- قاموا عام 1921م بتسليم ما احتلوه من المناطق التهامية إلى حليفهم الإدريسي والذي وقف إلى جانبهم في الحرب بموجب معاهدة صداقة عقدت بينه وبين الإنجليز عام 1915 م. وهكذا وجد الإمام الذي أعلن قيام (المملكة المتوكلية اليمنية) نفسه محاطاً بالخصوم في الشمال والجنوب والغرب ، ومحروماً من الموانئ المدرة للمال جراء نشاطها التجاري، بالإضافة إلى تمردات القبائل الرافضة للفردية المطلقة ولسياسة أخذ الرهائن والتعسف في جباية الأموال. وقد واجه سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى كقائد عسكري لقوات أبيه تمردات القبائل في حاشد وتهامة والبيضاء ببأس واقتدار، كما تمكنت قوات أخرى للإمام من دخول الحديدة بعدئذٍ دون قتال، وذلك بعد موت الأمير محمد الإدريسي المؤسس للإمارة الإدريسية ، لتحل مشاكل خلافة السلطة في الأعقاب وليتسلم الحكم في الإمارة حسن الإدريسي عم محمد المؤسس ، والذي لم يكن بنفس حماس وحنكة المؤسس ، مما مكن قوات الإمام من التقدم شمالاً لتحاصر مدينتي صبيا وجيزان ، أهم مدينتين ضمن الإمارة الإدريسية، ولقد رفض الإمام الاعتراف بالإمارة الإدريسية مقابل الدخول في حماية الإمام ، بحجة ان الأدارسة المنحدرين أصلاً من المغرب العربي دخلاء على البلاد التي كانت دوما جزءاً من البلاد اليمنية التي حكمها أجداده. وقد دفع هذا الموقف الحاسم من الإمام الأدارسة إلى الالتجاء بآل سعود الذين قامت دولتهم في نجد والحجاز على أنقاض دولة الشريف حسين وأبنائه، فعقد معاهدة حماية بين آل سعود والأدارسة عام 1926م بسط السعوديون على إثرها سلطتهم على بلاد عسير، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام ، مما أدى إلى مواجهات واشتعال حرب بين الطرفين عام 1934م انتهت بتوغل القوات السعودية داخل الأراضي اليمنية وعجز قوات الإمام عن استعادة أجزاء عسير و كانت نتيجة ذلك الوضع العسكري توقيع الاتفاقية بين الطرفين وعرفت واشتهرت بمعاهدة الطائف

وفي مواجهة الإنجليز في جنوب اليمن كان الإمام يحاول- ضمن بسط سيطرته على البلاد اليمنية- أن يبسط سيطرته على المحميات الجنوبية فدخلت قواته الضالع للضغط على بريطانيا؛ كي تسلمه الحديدة، وليعلن عدم اعترافه بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بين قوتين غازيتين على أرض ليست لهما. وقد رأى الإمام أن يستعين بإيطاليا التي تحتفظ بمستعمرات في الساحل الأفريقي المقابل، فعقد اتفاقية صداقة معها عام 1926م ولم يفت الإنجليز مغزى هذه الاتفاقية ، التي شجعت الإمام على دخول العواذل العليا والسفلى إلى جانب تدعيم قواته في الضالع والبيضاء ، كما عقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في العام 1928م .

فكان رد فعل الإنجليز على تحركات الإمام هذه هو الحرب التي اشتعلت بين الطرفين عام 1928م ، استخدم فيها الإنجليز الطائرات الحربية التي ألقت على الناس منشورات تهديد وقنابل دمار ألحقت الضرر في جيش الإمام وفي المدن الآمنة التي ألقيت عليها، وقد انتهت هذه الحرب بهزيمة الإمام وإجباره الدخول في مفاوضات انتهت هي الأخرى بمعاهدة الصداقة والتعاون المتبادل بين اليمن وبريطانيا 11 فبراير 1934 م

وقد انسحب الإمام فيما بعد من مناطق المحميات التي دخلها، ومع أن الإمام رفض الاعتراف بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بريطانيا وتركيا ، إلا أنه اضطر للتسليم بالوجود البريطاني في عدن لمدة أربعين عاماً قادمة ، وهي مدة الاتفاقية ، على أن يتم بحث موضوع الحدود قبل انتهاء مدة هذه الاتفاقية.



جميع الحقوق محفوظة للمركز الوطني للمعلومات - اليمن