الصفحة الرئيسية

خطاب السيد رئيس الجمهورية بمناسبة العيد الـ38 لثورة 26 سبتمبر 1962م


اليوم:  26
الشهر:  سبتمبر
السنة:  2000

بسم الله الرحمن الرحيم

 والصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم .

الأخوة المواطنون الأحرار : يا جماهير شعبنا العظيم

يطيب لي و نحن ندخل في هذه اللحظة إلى رحاب عام جديد من عمر الثورة اليمنية الخالدة الــ 26 سبتمبر و الـ 14 اكتوبر و الثلاثين من نوفمبر ) أن أزف إليكم أجمل التهاني و التبريكات و أن أتوجه بالتحيات الصادقة إلى كل أبناء شعبنا المناضل داخل الوطن و خارجه و في كل مواقع العطاء و العمل و الإنتاج .. و معاقل الشرف و البطولة و الفداء و حيث يرابط المقاتلون الأبطال من أبناء قواتنا المسلحة و الأمن جنوداً أوفياء و حراساً أمناء يذودون ببسالة و إيثار و نكران ذات عن سيادة الوطن و استقلاله و أمنه و استقراره و عن منجزات الشعب و مكاسبه في ظل راية الثورة الخالدة .

كما لا ننسى و نحن نعيش مباهج أعياد الثورة أن نزجي التحية و أسمى آيات التقدير و العرفان إلى أولئك المناضلين الأحرار و الشهداء الأبرار الذين أناروا بتضحياتهم و عطاءاتهم السخية دروب الحرية و الاستقلال و التقدم في الوطن .. مسجلين أروع المآثر البطولية النادرة في ساحات الإعدام و في السجون و المعتقلات و المنافي وفي كل الجبهات انتصاراً لإرادة الشعب في التحرر من نير الاستبداد الإمامي و الهيمنة و التسلط معززة بالانتصارات الوطنية الشامخة و الإنجازات الإستراتيجية على مختلف الأصعدة السياسية و الديمقراطية و التنموية و العسكرية و الأمنية و الاجتماعية و الثقافية و غيرها .. و على مدى ما يقارب الـ 38 عاماً قطع شعبنا شوطاً كبيراً على دروب البناء و الإنجاز و النهوض الحضاري و في إطار الترجمة الفعلية للأهداف السامية للثورة التي توجت باستعادة الوحدة و قيام الجمهورية اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م مقترنة بإشاعة الديمقراطية التعددية و التي مثلت جميعها التعبير الصادق عما يعتمل في نفوس أبناء شعبنا من التطلعات و الأماني و الرغبة الأكيدة في التغيير الذي ينشده لصنع الحياة الأفضل .

و إننا و نحن نحتفل اليوم بأعياد الثورة اليمنية العيد الـ 38 لثورة السادس و العشرين من سبتمبر و العيد الـ37 لثورة الرابع عشر من أكتوبر و العيد الـ 33 للثلاثين من نوفمبر يوم الجلاء نتذكر بمزيد من الوفاء تضحيات و عطاءات تلك الكوكبة من الطلائع الوطنية الواعية و المؤمنة بقيم و مبادئ الحرية و العدالة و المساواة و الوحدة. و إن احتفالنا بأعياد الثورة اليمنية هو تمجيد لبطولات الرجال و تضحيات المناضلين و بذل الشرفاء من المقاتلين و المجاهدين في سبيل الحق و العدل و الحرية و من أجل الوحدة و الدفاع عنها حتى تحقق النصر العظيم يوم السابع من يوليو 1994م التي سجل خلالها شعبنا و قواته المسلحة و الأمن أروع الملاحم البطولية و قدم أغلى التضحيات الجسمية و التي فاقت من حيث حجمها و نوعيتها كل التضحيات في الماضي و على مدى مسيرة النضال الوطني دفاعاً عن الثورة و النظام الجمهوري ذلك لخطورة التآمر الذي واجهته الوحدة و تطور وسائل المواجهة و أسلحة الدمار و الموت التي امتلكتها القوى الانفصالية لتنفيذ جريمة الانفصال و الحرب و محاولة إعادة عجلة التاريخ للوراء .

نعم أيها الأخوة لقد وجدت الوحدة لتبقى وهي الإنجاز الاستراتيجي الخلاق للثورة اليمنية التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام شعبنا كي يمضي مع الشعوب و الأمم في طريق الشراكة و ارتياد آفاق رحبة مع قدوم قرن جديد و ألفية جديدة .. ذلك أن شعبنا اليمني لم يكسر أغلال الإمامة و يطرد الاستعمار ويستعيد وحدته لكي يستريح أو لكي يجلس في مقاعد المتفرجين يراقب العالم من حوله وهو يقطع مسافات التطور و النهوض و إنما استرد الشعب حريته و استعاد وحدته ليدخل السباق مع المتنافسين من أجل التنمية و الرفاهية و الرخاء .. و برغم العقبات و المصاعب و التحديات التي اعترضت طريقة فإنه استطاع أن يصل إلى أمانيه في أزمنة قياسية ..

إن احتفالاتنا اليوم بأعياد الثورة تكتسب قيمة إضافية ودلالات عميقة و هي تجري في السنة الأولى من القرن الواحد و العشرين و الألفية الثالثة .. ذلك أن دلالاتها الأولى أن الثورة قد تخطت العواصف و تجاوزت الأعاصير والتحديات و امتد بها الزمن من القرن العشرين الذي كانت الثورة و الوحدة اليمنية إحدى أبرز أحداثه لتنتقل إلى القرن الذي يليه و من الألفية الثانية إلى التي تتبعها باقتدار وثـقة و الأهم منه أن الثورة شكلت الجسر المتين الذي اجتاز من خلاله شعبنا قروناً من التخلف عابراً من ظلمات العصور الوسطى إلى رحاب القرن الحادي و العشرين بكل مافيه من تحدي العلم و التكنولوجيا .. ومن مخزون المعرفة و تجليات الإبداع و النهوض الحضاري ..

الأخوة المواطنون ..

الأخوات المواطنات ..

لم يكن انتصار الثورة منتهى الآمال لشعبنا اليمني المكافح كما أن قيام الوحدة لم يكن خاتمة الأعمال في الطريق إلى الغد و لقد تجلت الإرادة اليمنية في تعزيز منجز الوحدة بإشاعة الديمقراطية من خلال إطلاق حرية تكوين الأحزاب و المنظمات النقابية و كفالة حرية الصحافة و التعبير وحماية حقوق الإنسان و الحريات العامة وكسر القيود على مشاركة المرأة في شتى مجالات الحياة و جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل و بما يؤكد أن النساء بالفعل هن شقائق الرجال .. و أن الشعب الذي فجر الثورة أو أنجز الاستقلال و شيد صرح التنمية و أقام دولة الوحدة و اختار طريق الديمقراطية و التعددية . إن هذا الشعب المعلم و المكافح يؤكد للعالم أجمع حقه في الشراكة و جدارته في ارتياد آفاق العصر .. عصر المعلومات و المعرفة و التقدم العلمي و التكنولوجى عصر العولمة و الحرية و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان و إذا كانت الديمقراطية قد تشكل أحد التحديات التي ظن البعض أن الشعب اليمني لن ينجح في اختبارها فإن البرهان جاء ساطعاً على قدرة اليمنيين على الاستلهام و الاستذكار و الإبداع و تأكد بما لا يدع مجالاً لأي شك أن الديمقراطية هي الخيار الحضاري الصائب و أن التراجع عن هذا الخيار هو المستحيل عيناً و يقيناً - أيها الأخوة – فإن الديمقراطية تعني المسؤولية و البناء و التقدم و ليست الفوضى و تجاوز الثوابت الوطنية و الإضرار بالمصالح العليا للوطن ...

ومن المؤسف القول بأن البعض في الوطن قد فهم الديمقراطية بصورة خاطئة و تعامل معها بنوايا غير حسنة و عمل جاهداً على الانحراف بها نحو مسارات الانفلات و الأهواء الذاتية في محاولة لإفراغها من محتواها .. و مثل هؤلاء الذين مازالوا غارقين في أوهام الماضي ولم يؤمنوا بالديمقراطية و يضيقون بها ذرعاً إذا لم تحقق مصالحهم الذاتية أو الحزبية تعودوا على أنماط الممارسة الشمولية و النهج الديكتاتوري المتسلط ؛ ولهذا فإنهم سواء من كانوا يرفعون شعار التقدمية أو الرجعية ظلوا يقاومون رياح التغيير الديمقراطي و يتمترسون خلف أفكارهم البالية و نهجهم الجامد و هم إذا ما قدر لهم الوصول إلى السلطة فإنهم سيكونون أول المنقلبين على الديمقراطية و الأشد نكراناً للآخرين و رفضاً للقبول بهم و لقد كشفت الأحداث ومناخات الحرية و الديمقراطية التي يعيشها الوطن زيف ادعاء أولئك و حقيقة تلك الشعارات المضللة التي ظلوا يرفعونها ..

و هم يعرفون اليوم أين هم ؟ و كيف يعيشون ؟ و ماذا يفعلون ؟

 وإن ما يبعث على الاعتزاز أن الديمقراطية في بلادنا اليوم تمثل حقيقة ساطعة و واقعاً معاشاً وهي تتعزز في كل وقت بالممارسة الفعلية المسؤولة و تعتبر الوسيلة الحضارية المثلى للبناء و صنع التقدم إن المصلحة الوطنية العليا و الرغبة في تعزيز و تأصيل الديمقراطية و توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار قد حتمت إجراء بعض التعديلات الدستورية كضرورة وطنية لتقوية القواعد الدستورية التي يقوم عليها البناء الديمقراطي و ترسيخ الاستقرار و مواصلة إنجاز مهام بناء الدولة الحديثة و تطوير النظام الانتخابي و رفع مستوى التنسيق و الرقابة و التنفيذية و مواكبة جهود الإصلاح الاقتصادي و المالي و الإداري و مقتضيات التحديث و التطوير و الانفتاح ..و لهذا فإن التعديلات الدستورية المقترحة التي أقرت مناقشتها من حيث المبدأ في مجلس النواب قد استهدفت تحقيق تلك الغايات الوطنية الملحة و حتماً أيها الأخوة .. أيتها الأخوات .. فإنه لم يعد هناك من مكان لمن يعيش بمعزل عما يجري من حوله أو ينغلق على ذاته أو لا يستفيد من تجارب الآخرين و عطاءات حضارة العصر .. و إنه لحري بكافة أبناء الوطن أحزاباً و أفراداً أن يشمروا عن سواعد الجد و العمل متطلعين للأمام و غير مشدودين للماضي من أجل استشراف أفق أرحب للبناء و الإنجاز وإحراز السبق في ميادين العلم و مواكبة التطور في شتى مناحي الحياة و مجالات التقدم .. و هذا ليس بغريب على أبناء اليمن أحفاد أولئك العظماء الذين شادوا واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية و صنعوا تاريخاً مجيداً يبعث على الفخر و الزهو والاعتداد لدى كل البناء الأمة..

أيها الأخوة المواطنون الأعزاء ..

لقد أرست الثورة اليمنية منهاجاً واضحاً في علاقاتها الخارجية و في تعاملها مع كافة القضايا و التطورات انطلاقا من الالتزام بالهوية القومية و الإسلامية و مبدأ السلام و التعايش بين الشعوب , و من هنا أصبح لدى بلادنا اليوم علاقات متطورة مع كافة دول العالم تقوم على التعاون و الاحترام المتبادل و تبادل المصالح و المنافع و العمل الدؤوب لخدمة الأمن و الاستقرار و السلام في منطقتنا و في العالم , فاليمن هو بلد السلام و يعمل من أجل السلام ؛ و لهذا فإننا سنظل ندعم جهود تحقيق السلام العادل و الشامل في المنطقة .. السلام للجميع .. السلام الذي يرتكز على استعادة الحقوق العربية المشروعة و إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في عام 1967م من الجولان و فلسطين و حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني و عاصمتها القدس الشريف و حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم طبقاً لما أقرته الشريعة الدولية خاصة قراري مجلس الأمن رقم 242و رقم 338..

و إننا و نحن نطالب بالتعامل مع قرارات الشريعة الدولية بمعيار واحد نلفت اهتمام العالم إلى ما يعانيه الشعب العراقي بسبب استمرار سياسة فرض الحصار عليه , خاصة و قد أثبتت سياسة فرض الحصار عدم فاعليتها في تحقيق الأهداف التي اتخذت من أجلها لأن الذي يدفع ثمنها هم الأطفال و النساء و الشيوخ ، و لأنها تجلب الخراب و لا تصنع الأمن و السلام ..

كما أنها لمناسبة نجدد فيها الدعوة إلى العمل على كل ما من شأنه استعادة التضامن العربي و توحيد الصف و تعزيز مسيرة العمل القومي المشترك معبرين عن الارتياح لما تم التوصل اليـه في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد مؤخراً في مقر الجامعة العربية من اتفاق على إقرار مشروع آلية انتظام عقد القمة العربية دورياً باعتبار أن ذلك يمثل السبيل الصحيح الذي يمكن من خلاله لأمتنا الخروج من واقع الشتات و إتاحة الفرصة أمام الأشقاء لمناقشة قضايا الحاضر و المستقبل بروح أخوية تستلهم تحقيق المصالح القومية العليا و تعزيز اقتدار الأمة على مجابهة التحديات ..

الأخوة المواطنون ..

الأخوات المواطنات ..

إننا ندرك بعمق ووعي كاملين أن السير نحو البناء السياسي الاقتصادي و التقدم الاجتماعي يتحقق دائماً في ظروف العمل السلمي و الأمن المشترك للشعوب و الدول المتجاورة ..

ومن هذا الإدراك و الوعي ارتكزت سياسة بلادنا في تعاملها مع جيرانها على التعاون في المنطقة و الإقليم و تحت شعار ( ضرورة الانتقال من الجيرة إلى الشراكة ) . و ينطبق هذا على تعاملنا مع كل أشقائنا و جيراننا في المنطقة ، بدءاً من المملكة العربية السعودية و مروراً بسلطنة عمان و إرتيريا .. و قد أمكن من خلال هذه السياسة حل المشاكل الحدودية مع هذه الدول بالحوار و التفاهم أو اللجوء للتحكيم الدولي , و هو ما يؤكد الرغبة الصادقة لبلادنا في العمل على كل ما من شأنه توطيد دعائم الأمن و الاستقرار و السلام في المنطقة .. و حيث تهيئ معاهدة الحدود الموقعة بين بلادنا و المملكة العربية السعودية الشقيقة في عشر من شهر يونيو الماضي في مدينة جدة المزيد من الفرص للانطلاق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشيقين الجارين نحو آفاق أرحب من التعاون و التكامل و الشراكة و بما يلبي تطلعات و آمال الشعبين اليمني و السعودي و يحقق مصالحهما المشتركة .. كما أنه و انطلاقا من الروابط الخاصة التي تربط بلادنا بدول منطقة القرن الأفريقي فإننا حريصون على استتباب الأمن و الاستقرار و السلام في هذه المنطقة و نجدد دعمنا و تأييدنا لكافة الجهود التي بذلت و تبذل من أجل تحقيق الوفاق و الاتفاق و إحلال السلام و الهدوء في الصومال آملين أن تنخرط جميع الفصائل و القوى السياسية و الاجتماعية في الصومال الشقيق في مسيرة السلام و الحوار و التفاهم و بما يكفل تعزيز الوحدة الوطنية و التفرغ لإعادة بناء الصومال و الحفاظ على سيادته و استقلاله و خدمة المصالح العليا للشعب الصومالي الشقيق , فلقد برهنت الأحداث بأن الحروب و الصراعات لا ينتج عنها سوى الدمار و الويلات و المآسي الإنسانية ، و أن مناخ الحوار و السلام هو الذي يتحقق في ظله ازدهار الحياة و نهضة الشعوب .. و لذلك فنحن مع كل دعوة للسلام في العالم ، و مع كل عمل يحفظ البشرية من الدمار و الأهوال و الحروب و إننا نتطلع إلى أن يكون القرن الواحد و العشرين قرن سلام و أن تكون الشراكة بين الشعوب هي طريق الإنسانية كلها إلى فردوس الحضارة الجديدة .. و انطلاقا مع ذلك كانت مشاركتنا في قمة الألفية التي انعقدت في رحاب الأمم المتحدة و لإدراكنا بأهمية السلام و تقدير العالم لموقف اليمن و أهميتها في المنطقة .. مؤكدين مجدداً الدعوة إلى ضرورة أن يرتكز النظام العالمي على أساس العدل و التكافؤ و التوازن و التعاون و الانفتاح و أن تكون العولمة مقترنة بمفهوم التنمية المستدامة و الشراكة المثمرة بين الجميع وأن يكون العدل و الاستقرار و السلام حقاً مكفولاً لجميع الشعوب و الأمم على السوء ..

أيها الأخوة الأعزاء ..

ختاماً أكرر لكم التحية و التهنئة ، و أتضرع إلى الله العلي القدير أن يتغمد شهداء الوطن الأبرار و شهداء جمهورية مصر العربية الذين روت دماؤهم الزكية أرض اليمن الغالية دفاعاً عن الثورة و الموقف القومي النبيل أن يتغمدهم جميعاً بواسع رحمته و غفرانه و أن يسكنهم فسيح جناته .. إنه سميع مجيب

كل عام وأنتم بخير و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .



جميع الحقوق محفوظة للمركز الوطني للمعلومات - اليمن