التاريخ القديم/ مملكة سبأ/ الدور الريداني (الحميري)

  من حوالي (270) م حتى (525) م.


العرض التاريخي:

بعد أن تمكن الملكان ياسر يهنعم الأول وابنه شمر يهرعش ملكا سبأ وذي ريدان من ضم المناطق السبئية

 إلى سلطتهما، استقرت الأوضاع حوالي عقدين من الزمان، وفي حوالي 293 للميلاد، كان اليمن على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه، حيث قام الملك شمر يهرعش بعد وفاة والده بإرسال قواته إلى مناطق حضرموت وتمكنت تلك القوات إسقاط مملكة حضرموت وضم كل المناطق التي وصلت إليها إلى سلطة الملك شمر يهرعش؛ ونتيجة لذلك اتخذ الملك الريداني لقباً ملكياً جديداً هو (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت). توالى الحكام الريدانيون على الحكم، ومنهم الملك ذمار علي يهبر الثاني وابنه ثأران يهنعم ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت، ويعد الملك ذمار علي يهبر الثاني مؤسس لحكم أسرة ملكية حكمت اليمن من الربع الأول للقرن الرابع الميلادي حتى النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي. وخلال حكم هذه الأسرة تم توطيد حكم الريدانيين لليمن، وخاصةً في عهد الملك ثأران يهنعم الثاني الذي استعان بقبيلة ذو يزن في مد نفوذه، وترسيخ سيطرته على مناطق حضرموت والمهرة وتهامة الغرب. وبعد ذلك توسعت سلطة الملوك الريدانيين، خاصةً في عهد الملك أبي كرب أسعد المشهور في الموروث اليمني الإسلامي بأسعد الكامل، والذي مد نفوذه إلى وسط الجزيرة العربية وفرض سلطته على القبائل العربية هناك، واتخذ لنفسه لقباً جديداً هو ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طودم وتهمت، أي والبدو في الجبال والتهائم. وفي فترة حكمه بدأت تعاليم ومبادئ الديانة التوحيدية بالانتشار في مختلف مناطق جنوب الجزيرة العربية.

ورث الملك شرحبئيل يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طودم وتهمت الحكم بعد أبيه، وفي عهده سجلت النقوش قيامه بإعادة ترميم سد مارب، والأعمال الإنشائية التي قام بها وما استهلكه العمال من مواد غذائية مختلفة، كما تسجل بتفصيل بديع قيامه ببناء قصر (يهرجب) في العاصمة الريدانية ظفار. ومع نهاية عهد الملك شرحبئيل يعفر بن أبي كرب أسعد ينتهي دور أسرة الملك ذمار علي يهبر الثاني بنهاية حكم حوالي سنة 460 للميلاد، حيث خلفه في الحكم ملك جديد يسمى شرحبئيل يكمل، ثم خلفه ملك آخر يدعى مرثد ألن ينوف، وخلال فترة حكمهما الممتدة إلى مطلع القرن السادس الميلادي لايوجد هناك أحداث كبيرة يمكن ذكرها.

وفي عهد الملك التالي وهو معد كرب يعفر سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طودم وتهمت، سجل نقش موجود في منطقة مأسل الجمح (جنوب الرياض) قيامه بحملة تأديب ضد بعض القبائل العربية الشمالية وذلك في حوالي سنة 516 للميلاد.

في العام التالي 517 للميلاد، تغير الوضع تماماً في اليمن، حيث نجد على هرم السلطة ملك جديد يدعى يوسف أسأر يثأر، له لقب غير معروف من قبل وهو (ملك كل أشعبن) بمعنى ملك كل القبائل، يخوض مع قواده اليزنيين حرباً ضد الأحباش ويحرق ويدمر الكنائس في العاصمة ظفار، ويشن مع بعض أتباعه حرباً ضد القبائل اليمنية التهامية وهي الأشاعر والركب، والمعروفة تاريخياً بعلاقتها التجارية مع الحبشة، ويقوم بتحصين سلسلة جبال المندب تحسباً لهجوم حبشي وشيك. فيما قسم آخر من قواته يرابط حول مدينة نجران.

لا شك في أن هذا الملك هو نفسه المعروف في الموروث باسم (ذو نواس) صاحب حادثة الأخدود التي أحرق فيها مسيحيي نجران، والتي أشار إليها القرآن الكريم في سورة البروج.

كانت النتيجة المباشرة لحادثة الأخدود هي الاحتلال الحبشي لليمن، ذلك الاحتلال الذي تم الإعداد له مدة سبع سنوات وقدم فيه الرومان عدداً كبيراً من السفن لنقل الجنود الأحباش من البر الإفريقي إلى البر العربي الآسيوي. ويذكر النقش الشهير باسم نقش حصن الغراب جوار ميناء قنا (بير علي حالياً) على ساحل البحر العربي، بعض أحداث الهجوم الحبشي، ويصف جنود الأحباش بأنهم زرافات زرافات بأرض حمير وقد قتلوا ملك حمير وأقياله الأرحبيين وذلك في سنة 525 للميلاد تقريباً.

وبذلك تنتهي دولة سبأ وحكامها الريدانيون بسقوط اليمن تحت الاحتلال الحبشي.