الحمد لله القائل: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا). والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن ما تمر به بلادنا من مصاعب وما تعيشه من أجواء غير طبيعية أدت إلى شلل مؤسسات الدولة وأجهزتها وأوجدت حالة من الترقب والقلق عند أبناء الشعب، إن كل ذلك قد فرض على مجلس النواب أن يخصص عدداً من جلساته لمناقشة الأزمة الراهنة وأسبابها والبحث عن مخارج تجنب البلاد الآثار السلبية التي قد تنتج عنها، وذلك استشعارا للمسئولية وأداء للأمانة التي يتحملها مجلس النواب ممثل هذا الشعب وممارسة لصلاحياته واختصاصاته الدستورية وحرصاً من المجلس على مصالح الشعب وحرياته وأمنه واستقراره والحفاظ على الخيار الديمقراطي الذي ارتضاه الجميع.
وإن المجلس وهو يتابع تداعيات الأزمة السياسية وآثارها السلبية على البلاد والناتجة عن ظروف ما قبل 37/ إبريل/1993م
التي سحبت نفسها على الأوضاع الحالية وما رافقها من التصعيد وتوتير الأجواء وعدم الاحتكام لصوت العقل وتغليب المصلحة الوطنية العليا على غيرها إنما يؤكد للشعب وقواه السياسية جميعاً أنه معنى بالأزمة باعتباره السلطة التشريعية والرقابية في البلاد.
وإذا كان أبناء اليمن قد استطاعوا تحقيق حلمهم الكبير بإعادة تحقيق الوحدة المباركة يوم 22/مايو/990ام وإعادة اللحمة بين أبناء الشعب اليمني الواحد وحاولوا جاهدين تجاوز سلبيات الماضي وآثار عهد التشطير، فإن الظروف في الفترة الانتقالية قد أعاقت تجاوز تلك السلبيات بل أضيف إليها ركام أخر من المشاكل والسلبيات لتشكل مجتمعه عوائق كبيرة أمام مسيرتنا النهضوية التي يطمح إليها أبناء شعبنا في كل مجالات الحياة.
ولقد كان الأمل معلقاً على أن انتخابات 27/إبريل/1993م ستكون بداية لمرحلة جديدة تتجاوز فيها البلاد كل السلبيات وتنطلق المسيرة نحو البناء والتطور خاصة وقد أعلن الجميع قبولهم بنتائج الانتخابات التي كانت تتويجاً لانتصار الوحدة وأسست لنظام شوروي ديمقراطي وأفرزت واقعاً سياسياً جديداً نال احترام وتقدير الأشقاء والأصدقاء وإعجابهم مما جعل ذلك أساساً للانطلاقة الديمقراطية اليمنية الحديثة.
إلا إن الأزمة السياسية الحالية قد ألقت بظلالها القاتمة على تلك الصورة المشرقة التي ظهرت بها بلادنا بعد الانتخابات الأمر الذي حتم على مجلس النواب أن يقوم بدوره في استجلاء الأسباب ومعرفة جذور هذه الأزمة وأن يعمل كل ما يستطيع حتى يتمكن بمشيئة الله وعونه ومعه كل اليمنيين من تجاوز آثارها وسلبياتها لتتهيأ للجميع أسباب الانطلاقة نحو العمل بيد واحدة لبناء يمن مشرق زاخر بالعطاء والخير في ظل الثوابت التالية:
1- الإسلام عقيدة وشريعة.
2- الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية.
3- الديمقراطية الشوروية والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة.
4- الأمن والاستقرار، والعدل، والمساواة، واحترام الحقوق والحريات، وصيانة الدماء والأموال والأعراض.
5- احترام الشرعية الدستورية ومؤسساتها والتزام مؤسسات الدولة بالصلاحيات الدستورية المحددة لها.
6- اعتماد الحوار الجاد والصادق سبيلاً لحل الخلافات أياً كان نوعها وحجمها.
7- القوات المسلحة والأمن مؤسسة وطنية يملكها الشعب مهمتها حراسة البلاد والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها وصيانة المكتسبات الوطنية وحماية الشرعية الدستورية بعيداً عن الصراعات السياسية والولاءات الحزبية.
ولذلك فإن المجلس يؤكد على أن هذه الثوابت ليست محلاً للخلاف والنقاش ولا يجوز المساس بها أو الإساءة إليها من أي طرف بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولقد تابع المجلس الأزمة وعايش بعض جوانبها وعمل على احتوائها وتعامل معها
بمسئولية عالية حرصاً منه على مصلحة اليمن وحفاظاً على الوحدة الوطنية والأمن
والاستقرار بدءاً من موافقة المجلس على تمديد مدة مجلس الرئاسة حتى تتاح الفرصة لاستكمال التعديلات الدستورية، ثم إقرار مبدأ التعديل وانتهاءً بانتخاب مجلس الرئاسة في الشهر الماضي، كل ذلك حرصاً على تجنيب البلاد الفرقة والتمزق وقطع الطريق على من لا يريدون الخير لهذا البلد.
ورغم ذلك فإن الأزمة لا تزال قائمة الأمر الذي أوجب على المجلس أن يطرح القضية للنقاش وفقاً لصلاحياته الدستورية. وبعد نقاش مستفيض من قبل نواب الشعب واستخلاص مجمل الآراء التي طرحها أعضاء المجلس، أقر مجلس النواب ما يلي:
أولاً: مبادئ عامة:
1. الحفاظ على الثوابت واعتبار المساس بها خيانة عظمى يحاكم مرتكبها وفقاً للدستور.
2. الاحتكام في كل قضايا الخلاف إلى الحوار الجاد عبر المؤسسات الدستورية وعدم اللجوء إلى القوة أو استخدام العنف بأشكاله المختلفة، ورفض الإرهاب بمختلف صوره.
3. حماية الوحدة والحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد وبناء دولة المؤسسات والقانون واعتبار ذلك مهمة جميع أبناء اليمن بكل فئاتهم.
4. لا يجوز أن تؤدي أي أزمة إلى تعطيل أعمال مؤسسات وهيئات الدولة أو إعاقة الحكومة عن تنفيذ برنامجها الحكومي.
وعلى مجلس الرئاسة حث الحكومة والتعاون معها على تنفيذ برنامجها وتذليل الصعوبات التي قد تعترضها، فالحكومة مسئولة أمام مجلس الرئاسة ومجلس النواب.
ثانياً: التوجيهات:
1- يوجه الحكومة بإلزام الجهات المختصة بوقف المهاترات الإعلامية والإثارات المناطقية والطائفية وعلى كبار مسئولي الدولة وقف التصريحات الصحفية والخطابات التي تصعد الأزمة.
2- يوجه الحكومة بإزالة أي مظهر من مظاهر التوتر ورفع النقاط العسكرية المستحدثة وعدم استحداث أي أوضاع عسكرية جديدة.
3- يوجه الحكومة بسرعة إلزام الأجهزة المختصة بتقديم المتهمين بحوادث الاغتيالات والتفجيرات والتقطعات وإقلاق الأمن للمحاكمة العلنية وتعقب الفارين منهم أينما كانوا وتقديمهم للقضاء.
4- يؤكد المجلس بأن على الحكومة أداء مهامها وممارسة اختصاصاتها المخولة لها دستورياً والعمل على تنفيذ ما تضمنه برنامجها المقدم لنيل ثقة المجلس وتعقيب المجلس عليه، وتقديم تقرير مفصل إلى المجلس عما تم تنفيذه وخاصة في القضايا العاجلة التي تمس أمن المواطن ومعيشته وما لم ينفذ منها وأسباب عدم التنفيذ حتى يتخذ المجلس ما يراه إزاءها.
5- أقر المجلس تشكيل لجنة من أعضائه لمتابعة وتقصي الحقائق حول الأزمة وحول الأوضاع العسكرية والإختلالات والحوادث الأمنية وفي مقدمتها حادثة اغتيال كامل محمد عبد الله الحامد وتقديم تقرير عاجل إلى المجلس.
6- أقر المجلس استدعاء الحكومة للحضور أمامه خلال أسبوع لإطلاعه على كل ما يتعلق بجوانب الأزمة.
وسيظل المجلس في حالة انعقاد دائم حتى تنتهي الأزمة.
والمجلس وهو يعلن هذا فإنه يناشد جميع أبناء الشعب بمختلف فئاته وقواه السياسية، أن يكونوا عوناً للمجلس في أداء مهمته وأن يعمل الجميع على حماية الوحدة والحفاظ عليها وقطع الطريق على من يريد إذكاء الفتن بين أبناء الشعب الواحد، وأن يحرصوا على إشاعة أجواء المحبة والوئام في المجتمع وأن يبتعدوا عن كل ما من شأنه إيجاد الفرقة والنزاع. (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم...) صدق الله العظيم.
وفقنا الله جميعاً إلى سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
صادر عن مجلس النواب- صنعاء
بتاريخ 21/ جماد الأول/1414هـ
الموافق 5/11/1993م