ثمة مفارقة واضحة بخصوص الاستثمار في مجال النقل الجوي اليمني وانشاء شركات طيران خاصة , فشركة الخطوط الجوية اليمنية متمسكة بنصوص قانون الطيرانالمدني رقم (12) وتعديلاته والذي لا يسمح بانشاء شركات طيران خاصة ، والمستثمرون المحليون والشركات العربية والاجنبية المنافسة تطالب بتنفيذ برنامج الحكومة المقدم الى مجلس النواب لنيل الثقة والذي يشير في فقرته الثالثة الى امكانية قيام شركات طيران خاصة او مختلطة سواء للنقل الجوي بشكل عام او لبعض انشطته ، ويستند الى شروط اتفاقية منظمة التجارة العالمية الخاصة بتحرير الاجواء والتي تلزم اليمن تنفيذ بنودها لقبول العضوية .
في اواخر العام الماضي 2005م ، اثار تصريح لوزير النقل ارتياحاً لدى المستثمرين في مجال النقل الجوي ، عن اقتراب نهاية الاحتكار في النقل الجوي , وبأن وزارة النقل لديها توجه مستقبلي لكسر الاحتكار في
مجال النقل الجوي ، كما تم في مجال النقل البري الذي سارعت الشركات الخاصة الى في الاستثمار في هذا المجال ، وانعكس ايجاباً على تحسن خدمات النقل البري .
الا ان تصريحات الكابتن / عبدالخالق القاضي رئيس مجلس ادارة شركة الخطوط الجوية اليمنية ، اعادت مشاعر الخيبة والإحباط لدى المستثمرين في مجال الطيران والنقل الجوي .
فقد اعتبر الكابتن / القاضي في مقابلة له الشهر الماضي " ان من غير الَمجدي اقتصادياً إنشاء شركات خاصة في السوق اليمنية في المستقبل القريب وانه يمكن لرأس المال أن يوجه إلى مجالات أخرى يكون الوطن في
حاجة إلى الاستثمار فيها بما يعود بالنفع على أصحاب رأس المال وعلى الوطن ككل ".
وقال " أن تحديات كثيرة ستعيق كل من يفكر في إنشاء شركة خطوط جوية وأن الخطوط الجوية اليمنية تقدم خدمات كافية ولا داعي لإنشاء أي شركات أخرى تعمل في هذا المجال " .
وأشار الى ان اليمنية " قامت منذ نشأتها في عام 1978م بتغطية احتياجات اليمن في النقل الجوي دولياً وداخلياً وتحملت على مدى سنوات تكاليف خطوط داخلية خاسرة إسهاماً منها في تسهيل وتيسير انتقال أبناء الوطن
داخل بلدهم ".
كما اشار الكابتن القاضي الى عدم امكانية دخول شركاء جدد في شركة الخطوط الجوية اليمنية ، الى جانب الشراكة السعودية .. معتبراً الحديث عن الخصخصة بالنسبة لليمنية حديث " في غير محله ".. مع تأكيده على انه
مع التوجه العام للدولة في خصخصة الهيئات والمؤسسات والشركات المملوكة للدولة بشكل عام وغير الناجح منها بشكل خاص ، إلا انه فيما يتعلق بوضع الخطوط الجوية اليمنية التي يرى أنها بوضعها الحالي تحقق الهدف من الخصخصة , وقانونها الأساسي يمنحها ميزة العمل على أساس اقتصادي بحت" "فللشركة جمعية عمومية تحدد السياسات العليا لها , وتتابع نتائج أعمالها ولها مجلس إدارة مكون من الشريكين يتولى إدارة أمور الشركة ,
ولها أنظمتها ولوائحها الخاصة التي تضمن سير العمل بها على أساس المنافسة والتحرك المستقبلي بما لا يخالف الأنظمة والقوانين العامة في البلد" .
كما أكد أن لدى الشركة خطط طموحة للتوسع في التشغيل الداخلي والخارجي على حد سواء. .
لكن مستثمرون وخبراء في مجال النقل الجوي ، يرون ان الموضوع مازال محل نقاش للوصول الى حلول او صيغة توافقية ترفع للنقاش اما الى الهيئة العامة للاستثمار او الى مجلس الوزراء ، باعتبار ان الاستثمار في مجال النقل الجوي ممكناً ، وفق برنامج الحكومة الذي اشار الى ان قيام شركات طيران خاصة او مختلطة ، سيكون محل دراسة من قبل الحكومة .
* أمر لابد منه :
واعتبر السيد /جيوفاني بزنياتي/ الرئيس التنفيذي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (الاياتا) في تصريحات له على هامش مؤتمر الاتحاد العربي للنقل الجوي الذي عقد بصنعاء اواخر نوفمبر الماضي ، ان فتح الاستثمار في مجال النقل الجوي ، امر لا بد منه .. مشيراً الى اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تنص أن على كل دولة ترغب في الانضمام الى عضويتها ومنها اليمن ، أتباع سياسة تحرير الاجواء.
وقال /بزنياتي/ انه لا يمكن تجاوز القوانين الدولية ، فإما أن يتم تعديل قانون الاستثمار لليمن أو تضاف اليه فقرات تسمح بالترخيص للشركات للاستثمار في هذا المجال .
ويرى خبراء اقتصاديون بانه لا توجد اي مخاوف من فتح المجال للاستثمار في النقل الجوي .. مشيرين الى تجربة سوريا في هذا المجال التي عدلت قانونها الخاص بالاستثمار في قطاع النقل الجوي ، ، ومنحت على ضوءه تراخيص لست شركات طيران للعمل في الاجواء السورية ، على الرغم من ان بعض الشركات المرخص لها لا يمتلك سوى طائرتين فقط .
ويشير الاخ / مصطفى خليفة الخبير الاقتصادي السعودي في هذا المجال الى ان عدداً من الدول العربية ، ومن بينها المملكة العربية السعودية ، قد بدأت في تنفيذ سياسة تسعى الى تحرير خدمات النقل الجوي من خلال وضع
الخطط والبرامج الخاصة بعملية تحرير خدمات النقل الجوي والاستثمار فيه.
وقال " ان قطاع النقل الجوي في اليمن قطاع كبير وواعد ويتسع لانشاء عشرات الشركات المتخصصة في مجال الطيران والنقل الجوي ، والاستثمار فيه سيعمل على تطوير قدراته .. واضاف "ان اليمنية شركة الطيران الوحيدة في اليمن لا يمكن ان تفي بمتطلبات النقل الجوي في بلد تعداده يقارب الـ 20 مليون نسمة، كما لا يمكن ان تقدم خدمات متكاملة في هذا المجال من حيث السعة والخدمات الأخرى التي تتميز بتقديمها خطوط الطيران العالمية.
ويؤكد بان هناك فوائد عديدة وكبيرة من فتح مجال الاستثمار في النقل الجوي ، من بينها تنشيط الحركة الجوية والسياحة وتحقيق الكفاءة في إدارة وتشغيل هذا القطاع ، وجعل الحافز التجاري محركاً له وذلك بتوطيد عنصر المنافسة بين شركات الطيران ورفد الاقتصاد الوطني بإيرادات جديدة ، اضافة الى امكانية دعم شركات الطيران في تنفيذ تحالفات جديدة فيما بينها تساهم في مواجهة تحديات صناعة النقل الجوي ، وكذا التنافس في تقديم خدمات نقل باسعار منافسة تعمل على زيادة اعداد المسافرين والشحن الجوي ، وهو ما سيزيد من حجم العوائد المادية للدولة من هذا القطاع .. مشيراً الى ان اسعار نقل الركاب والشحن الجوي يشكل عائقاً كبيراً امام زيادة اعداد الركاب ، وهو ما انعكس بشكل واضح في اعداد الركاب عبر الخطوط الجوية اليمنية الذي لم يتعدى المليون راكب خلال العام الماضي 2005م ، في حين تنقل الخطوط الجوية الاخرى عشرات اضعاف هذا العدد
سنوياً ، ومن بينها الخطوط الجوية السعودية التي تنقل ما بين 15 و16 مليون راكب سنوياً .
* تحفظات
الا ان عدداً من الجهات المعنية تبدي تحفظات وملاحظات بشأن فتح مجال الاستثمار في قطاع الطيران والنقل الجوي .
ويقول تقرير حول انتهاج سياسات تحرير سوق الطيران والنقل الجوي التي اتبعتها عدد من الدول العربية والاسيوية ، بان هناك اثار اقتصادية مضرة ترتبت على سياسة تحرير الاجواء ، وعانت منها معظم الدول التي اتبعت هذه السياسة ..
ويشير التقرير الى وجود العديد من شركات الطيران الخاصة التي عمدت الى الاضرار بشركات الطيران الوطنية ، من خلال سعيها للسيطرة على سوق النقل المحلية .. ويوضح ان من ابرز ذلك انتهاج الشركات لخطة تخفيض اسعار النقل الى مستويات متدنية ، وتحمل خسائر التخفيض لفترة بسيطة ، حتى تصبح شركات الطيران الوطنية غير قادرة على المنافسة ، ومهددة بالافلاس وتفكيك الشركة ، وبعدها تبدأ هذه الشركات في رفع اسعارها الى ان تصل الى مستويات قياسية .
خبراء النقل الجوي من جهتهم ، يؤيدون وجهة نظر الجهات المعنية والتحفظات التي تبديها بشأن تحرير الاجواء وفتح المجال امام شركات الطيران العالمية الاستثمار في مجال النقل الجوي في اليمن ..
* حرب الأسعار :
يقول الاخ / عبد الوهاب تفاحة امين عام الاتحاد العربي للنقل الجوي ، إن خدمات النقل الجوي في اليمن ، بالفعل لم تصل الى مرحلة متقدمة ، ولم تغط سوى جزء بسيط من الأنشطة المتعددة في مجال الخدمات ، كما ستواجه ايضاً تحديات كبيرة تتمثل في مدى قدرتها على تكييف أوضاعها وأنظمتها بصورة تمكنها من الوفاء بالتزامات واستحقاقات العضوية والحفاظ في الوقت ذاته على مصالحها الوطنية وصيانة مكتسباتها وتعظيم فوائدها ، كما انه سيكون من الصعب أو من المستحيل المنافسة مع الشركات الخاصة التي لديها
حرية كاملة في كل قراراتها التشغيلية .
ويضيف " أن فتح مجال الطيران سيؤدي إلى نشوء حرب أسعار ، من خلال سعي كل شركة طيران إلى الاستحواذ على حصة أكبر من السوق مستخدمة في ذلك تخفيض أسعار التذاكر وسيمنح ذلك شركات الطيران الدولية والخاصة فرصة ذهبية لبسط سيطرتها على سوق الطيران في اليمن ، الأمر الذي سيؤثر سلباً على " اليمنية " لصالح شركات أخرى ".
ويوضح " ستواجه شركة الطيران الوطنية كباقي شركات الطيران العالمية زيادة مستمرة في حجم التكلفة التشغيلية التي تشمل هامش ربح وكالات السفر والسياحة ، ومصروفات التسويق والمبيعات، ومخصصات
الموظفين والارتفاع المتواصل لتكاليف الغطاء التأميني وأسعار الوقود وقطع الغيار وغير ذلك ، مما يجعلها في موضع تحد لضمان استمرارية عملياتها ومواجهة المنافسة الشرسة" .
ويشير تفاحة الى أن ظاهرة شركات الطيران منخفضة التكاليف وأسعار التذاكر مثل الشركة العربية بالشارقة ، تمثل أكبر التحديات التي تواجه شركات الطيران بصفة عامة والخطوط اليمنية بصفة خاصة ، ومثل هذه الشركات متوقع أن يكون لها انتشار كبير في المستقبل القريب، بالاضافة الى مسألة رغبات وتوقعات المسافرين للخدمات الجوية التي أصبحت اليوم عالية جداً ، ومبنية على رغبتهم في الحصول على خدمات نقل جوي متميزة وذات جودة عالية تحاكي خبراتهم التراكمية في السفر على متن طائرات مختلف شركات النقل الجوي العالمية.
* سؤال لابد منه :
- لكن سؤال لا يمكن الهروب من الاجابة عليه ، وهو كيف يمكن رفض سياسة تحريرسوق الطيران والنقل الجوي ، وهي احد شروط انضمام الدول الى عضوية منظمة التجارةالعالمية ، التي تسعى اليمن اليها ؟! ..
وهنا يرى الامين العام للاتحاد العربي للنقل الجوي ان هناك امكانية لتنفيذ ذلك ، ولكن بعد اتخاذ الاجراءات الكفيلة لضمان بقاء شركة الطيران الوطنية والاستمرار في تقديم خدماتها ، ومن ابرزها اعادة شركة الطيران
الوطنية، صياغة خططها وبرامجها وانظمتها الخاصة واتباع سياسة تضمن الحد الادنى لاستمراية الشركة في تقديم خدماتها .
ويوضح ، بان من ابرز المعالجات التي يمكن ان تنفذها زيادة السعة المقعدية من خلال تزويد أسطول " اليمنية " بالطائرات الحديثة والمتعددة ، خاصة بعد قرارات شراء طائرات جديدة ، والاستفادة القصوى من حركة الركاب الواصلين من أوروبا وأمريكا .
ويضيف : وهناك مسألة زيادة الحصة التسويقية المتمثلة في فتح أسواق جديدة وخاصة الأسواق الإسلامية ، ثم الأسواق العالمية وتوقيع اتفاقيات ثنائية مع بعض شركات الطيران الأجنبية لتكوين شبكة متكاملة للخطوط
اليمنية ، وهذا التوجه سيزيد من الربحية والوفرة المالية لها.
كما انه يمكن معالجة منافسة الاسعار من خلال إيجاد آلية مرنة تمكن من منافسة شركات الطيران الاخرى ، وهو ما سيعطي الخطوط الجوية اليمنية الفرصة للسيطرة على السوق المحلية .
كما يعتبر مسألة خصخصة شركات الطيران المحلية ، حلاً اخر يمكن ان يسهم التوجه نحوه الى ضمان استمرارية الشركة ومنافستها في تقديم الخدمات ، وذلك باتخاذ عدد من الآليات التي تشمل إعادة الهيكلة المالية التشغيلية والقانونية والإدارية الشاملة للشركة في ضوء الدراسات العلمية التي تجريها بيوت الخبرة والشركات الاستشارية العالمية .
ويشير الى هناك العديد من شركات الطيران الاوروبية والعربية التي اقرت التوجه نحو الخصخصة ، مرتكزة على تنفيذ برامج لإعادة الهيكلة من خلال تحويل الوحدات غير الأساسية إلى وحدات تجارية إستراتيجية
ومراكز ربحية ، تشمل قطاعات التموين والشحن وخدمات المناولة الأرضية والصيانة وإدارة الموارد ، خاصة قطاع التموين الذي يعتبر مركزاً ربحياً متكاملاً .