عقب قيام الثورة اليمنية المباركة شهدت المرحلة الأولى منها محاولات دؤوبه نحو تطوير نمط إدارة المناطق (الوحدات الإدارية) للارتقاء بوظائفها ودورها، بحيث لا تقتصر على وظيفة تصريف الأمور الإدارية التقليدية البحتة بل الارتقاء بها إلى مستوى أوسع في تبني جهود النهوض والارتقاء بالمجتمعات المحلية ورعاية مبادرات المواطنين في هذا السبيل بما يتسق مع مناخات الحرية التي أتيحت بعد الخلاص من الاستبداد والاستعمار بفضل ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر الخالدتين وتجسيداً لأهداف الثورة اليمنية انطلقت مبادرات المواطنين في مختلف مناطق اليمن بمشاركتهم جهود الدولة في عمليات البناء والتنمية والإعمار عبر العمل التعاوني الأهلي والجمعيات الخيرية والتعاونيات كإطار شعبي لحشد إمكانات وطاقات المواطنين وتنظيمها وتوجيهها نحو عمليات البناء والتنمية على مستوى الساحة اليمنية.
وبعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بمضمونها الديمقراطي ومن أجل توسيع قاعدة المشاركة الشعبية بداء الحديث حول موضوع السلطة المحلية الذي قاد إلى حوارات جادة بين الأحزاب السياسية داخل السلطة التشريعية وخارجها، الأمر الذي لعب دوراً هاماً في تحديد اتجاهات وطبيعة السلطة المحلية وقد أنعكس ذلك على مضمون النصوص الدستورية فقد جاء الدستور ليضع اللبنات الأساسية في طريق إنشاء نظام السلطة المحلية والتي اعتبرها أحدى السلطات الدستورية التي يمارس الشعبي عن طريقها سلطته باعتباره مالك السلطة ومصدرها.
والأهمية موضوع السلطة المحلية أفرد الدستور بابا خاصاً هو الباب الرابع حدد فيه طبيعة وشكل نظام ما أسماه بنظام الإدارة المحلية فالمادة (117) إعتبرت الوحدات الإدارية والمجالس المحلية جزءاً لا يتجزأ من سلطة الدولة.
ولتحقيق الأغراض التي توخاها الدستور من قيام نظام السلطة المحلية جاء القانون رقم (2) لسنة 1991م (قانون السلطة المحلية لسنة 1991م) ليسهم في شرح الأركان الأساسية لنظام السلطة المحلية المقترح.
بعد الانتصار في حرب تثبيت الوحدة في 7/7/1994م قام مجلس النواب في 29/9/1994م بإجراء تعديلات دستورية تتعلق بمسائل وقضايا جوهرية طالت صلب الحياة السياسية وشكل رئاسة الدولة.
وبالطبع فقد تناولت التعديلات موضوع السلطة المحلية حيث أكدت المادة (144) مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية كأساس لنظام السلطة المحلية.
بعد أقرار التعديلات الدستورية في 12 أكتوبر 1994م وجهة فخامة الأخ/ رئيس الجمهورية رسالة توجيهية إلى الحكومة برئاسة الأستاذ/ عبد العزيز عبد الغني تضمنت تحت عنوان "الإدارة المحلية" الدعوة إلى توسيع دائرة المشاركة الشعبية في تسيير شئون الدولة في مختلف المجالات ومن ذلك منح السلطات المحلية صلاحيات إدارية ومالية بصورة تساعد على اتخاذ القرارات المتصلة بشئون المواطنين في الوحدة الإدارية.
وقد عكست الحكومة ما جاء في رسالة الأخ/ الرئيس في برنامجها العام التي حازت بموجبة الثقة من مجلس النواب حيث أكد البرنامج على أهمية الإدارة المحلية في استكمال البناء المؤسسي للدولة وترسيخ قيم الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، كما أكد البرنامج التزام الحكومة بالبدء الفوري في إعداد مشروع قانون الإدارة المحلية وأجراء الانتخابات للمجالس المحلية خلال العام 1995م.
وفي الواقع لم تتحقق كثير من تلك الالتزامات التي قطعتها الحكومة على نفسها نتيجة للظروف الصعبة التي عاشتها البلاد بعد حرب تثبيت الوحدة.
وبعد إجراء الانتخابات التشريعية الثانية 27/ إبريل 1997م وبعد مداولات كثيرة في مجلس النواب وحوارات متعودة بين القوى السياسية خلال ثلاث سنوات تمحورت حول مسألة انتخاب وتعيين المحافظين والصلاحيات التي يجب أن تمنح للمجالس المحلية.
صدر القانونية الجديد للسلطة المحلية رقم (4) في 10/فبراير 2000م كما صدرت لائحته التنفيذية في 21/أغسطس من نفس العام وعلى ضوء هذا القانون ولائحته التنفيذية تمت أول انتخابات عامة للمجالس المحلية في فبراير 2001م.
وتحظى المجالس المحلية باهتمام رسمي على أعلى المستويات وحدد القانون انعقاد مؤتمر سنوي للمجالس المحلية يتم التناقش فيه حول الصعوبات والمشاكل التي تواجه مهام واختصاصات المجالس المحلية.
ومما لاشك فيه أن نظام السلطة المحلية قد أصبح حقيقة واقعية وملموسة من خلال توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات وإدارة الشأن المحلي في مجالات التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وهي من المنجزات العظيمة التي تحققت في عهد قائد المسيرة الوحدوية فخامة الأخ/ على عبد الله صالح رئيس الجمهورية حفظة الله .