يضم مديرية مناخة العديد من المواقع التاريخية والسياحية منها .
أ - حصن مسار :
يقع حصن مسار على جبل مسار الذي يحده من الشرق حصن متوح ، ومن الغرب جبل شبام حـراز ، ومن الشمال وادي موسنة ، وتقع على سفحه الجنوبي قرية بيت شمران ، وقد احتل حصن مسار قمة الجبل كاملة تقريباً ، ولكن الآن لم يبق من هذا الحصن سوى خرائب منها بقايا السور والأبراج الدفاعية التي تتخلله في جميع الاتجاهات ، وبوابة السور أقيمت في الجهة الجنوبية الشرقية ، وقد تهدمت ، أما خرائب الحصن الداخلية فهي أطلال لمنازل – خاصة لمنزلين كبيرين - إضافة إلى مكونات الحصن من صهاريج المياه والمسجد ، ومدافن الحبوب ، ونتيجة للمساحة الشاسعة للحصن فقد استغلت أجزاء من أراضيه للزراعة .
- تاريخ الحصن : ارتبط الحصن بتاريخ اليمن في الفترة الإسلامية أشد الارتباط ، فقد انطلقت منه الدولة الصليحية التي أسسها الملك " علي بن محمد الصليحي " الذي حكم في الفترة ( 439 – 459 هجرية ) ، وقد بني هذا الحصن في سنة ( 439 هجرية ) ، وكان الحصن يعتبر من أهم المواقع في منطقة مناخة ، ويرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي ( 3500 متر ) تقريباً، مما أضفى عليه ميزة وأهمية استراتيجية حربية في المنطقة ، وقد انطلقت منه الدعوة الفاطمية في اليمن للمرة الثانية بعد ( قرن كامل ) من ضعفها – أو بمعنى آخر – اختفائها ، فقد ظهرت بقوة في عهد " المنصور بن الحسن بن زادان " في نهاية ( القرن الثالث الهجري ) .
ولكن بعد وفاة " المنصور " واعتلاء ابنه الملك فقد خالف الدعوة الفاطمية ، وبقيت منها بقية في جيوب صغيرة ، ولكنها اشتهرت ووصلت إلى ذروتها في عهد الصليحيين ، والدولة الصليحية أسسها " علي بن محمد الصليحي " حيث ظهر هذا الملك في طفولته بمظهر النجابة ، وهو ينتسب إلى قبيلة الأصلوح من بلاد حراز تلك القبيلة التي وصفها " الهمداني " بأن أهلها أنجاد كرماء وقد نشأ هذا الطفل نشأة طيبة لأن أباه القاضي محمداًً كان حسن السيرة مطاعاً في أهله وجماعته ولا يخرجون عن أمره ، وقد قال عمارة اليمني : ( إن أهل حراز كانوا أربعين ألفاً يدينون له بالطاعة ) وأبوه كان سنياً ، شافعي المذهب ، لذلك نشأ هذا الطفل في بيت علم ، وقد بدأت عليه مخايل النجابة ودلائل الفضائل وطموح النفس ، وهو الأمر الذي جعل الشيخ " سليمان بن عبدالله الزواحي" رئيس الدعوة الفاطمية في اليمن يقوم باحتضانه وتدريسه وغرس فيه مبادئ وعلوم الدعوة بعد موافقة المستنصر الفاطمي في مصر على ذلك ، وبعدها حمل على عاتقه مهام الدعوة ليتخذ في بادئ الأمر طريقة جديدة في الدعوة ، فقد ظل طوال ( خمسة عشر عاماً ) يصطحب الحجاج ويحج بهم وبالتالي تكونت جماعة بالرغم من قلتها إلا أنها كانت تدين له بالإخلاص وبالولاء خاصة في بلاده حراز ، ثم من قبيلة همدان ، ثم قرر القيام بثورة في بلاده ، ولما وصلت أخبار دعوته وأنه سيقوم بثورة تعرض أصحاب دعوته في حراز إلى متاعب كثيرة .
وقد بدأت ثورته باستيلائه على قمة جبل مسار ، وقد وصلته الشيعة من أنحاء اليمن بعد علمهم بإذن الإمام المستنصر بالله الفاطمي " لعلي بن محمد الصليحي " بإقامة الدعوة في اليمن وجمعوا له أموالاً جليلة بعدها بدأ الصليحي بعمارة حصن مسار في شهر جمادى الأولى سنة ( 439 هجرية )، وقد استمرت فترة بناء هذا الحصن شهراً كاملاً .
وبعد بناء حصن مسار توجه " علي بن محمد الصليحي " بخطاب أمر وقام ببثه في أرجاء حراز بدأه بمقدمة طويلة صلى فيها على الرسول ، وذكر بعض مناقب الشيعة الميامين ، ثم تلاها بالخطاب ، بقوله : ( أما بعد يا أهل حراز إلهكم الله رشدكم ، وجعل الجنة قصدكم ، فلم أطلع إلى حصن مسار متجبراً باغياً ولا متكبراً على العباد عاتياً ، ولا أطلب الدنيا وحطامها ، ولا طالباً أملك غوغاءها وطغامها ، لأن لى بحمد الله ورعا يحجزني عما تطمع النفوس إليه وديناً أعتمد عليه ، وإنما قيامي بالحق الذي أمر الله عز وجل به ، والعدل الذي أنزله في محكم كتابه ، أحكم فيه بحكم أوليائه ، وسنن أنبيائه ، وأدعو إلى حجته الذي أرضه ، والقائم بفرضه ، لست من أهل البدع ، ولا من ذوي الزور والشنع ، الذين يعملون في الدين بأرائهم ، ويحكمون بأهوائهم ، بل أنا متمسك بحبل الله المتين ، عامل بما شرع الله في الدين ، وداع إلى أمير المؤمنين ، عليه صلوات رب العالمين ، لا أقول إلا سدداً ، ولا أكره في الدين أحداً ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومـن ضل فإنما يضل عليها وما الله يريد ظلماً للعباد ، واعلموا ، يا أهل حراز أني بكم رؤوف ، وعلى جماعتكم عطوف ، الذي يجب عليَّ من رعايتكم وحياطتكم ، ويلزمني من عشرتكم وقرابتكم ، أعرف لذي الحق حقه ، ولا أظلم سابقاً سبقه ، وأنصف المظلوم ، وأقمع الظالم الغشوم ، وأبث فيكم العدل ، وأشملكم بالفضل فاستديموا ذلك بالشكر ، ولا تصغوا إلى قول أهل الكفر ، - الذين من بقايا أهل الكفر- ، فيحملونكم من ذلك على البغي والعدوان والخلاف والعصيان ، وكفر الأنعام ، والإحسان ، تستوجبوا بذلك تغيير الإنعام وتعجيل الانتقام ، وكتابي هذا حجة عليكم ومعذرة إليكم ، والسلام على من اتبع الهدى وتجنب أمور الردى ) ، وقد ملك " علي بن محمد الصليحي " اليمن بعدها ، وتميزت فترة حكمه بتوحد اليمن كاملة إضافة إلى انتشار الأمن والرخاء وقد استخدم في حروبه العديدة مع القبائل المتمردة نظام التسامح معها ، ومع قادتها .
وقد شهد حصن مسار بعد ذلك أحداثاً عاصفة في عهد المكرم " أحمد بن علي بن محمد الصليحي " ( 459 – 477 هجرية ) ، حيث استولت عليه بعض القبائل التي خرجت على الصليحيين ، ولكن الملك المكرم استطاع استعادته ، أما عن تاريخ خرابه فغير معروف تماماً ، ربما في فترة العثمانيين في ( القرن العاشر الهجري ) .
ب - قرية الحطيب ( حصن وضريح الحطيب ) :
تقع هذه القرية في شرق مناخة ، وتحتوي هذه القرية على معلمين تاريخين هما : حصن الحطيب ، وضريح الداعي " حاتم بن إبراهيم بن الحسين الحامدي " ( 557 – 596 هجرية ) .
1- حصن الحطيب : أقيم هذا الحصن في السفوح الشرقية لجبل مسار ، وهو حصن مأهول بالسكان ـ حالياً ـ ، توجد بعض أساسات للسور الذي كان يحيط به ، أما مباني الحصن القديمة فقد طمست معالمها بسبب استمرار الاستيطان فيه بتحويله إلى قرية ، وقد استخدم الأهالي في بناء منازلهم أحجار الحصن القديمة التي يعود تاريخها إلى ( القرن السادس الهجري ) ، والذي أقام الحصن في بادئ الأمر مؤسس الدولة الصليحية في اليمن " علي بن محمد الصليحي " ( 439 - 459 هجرية ) ، وقد أقامه إلى جانب العديد من حصون بلاد حراز - خاصة حصن مسار المجاور لهذا الحصن - إلا أن حصن الحطيب استمد شهرته في فترة الداعي " حاتم بن إبراهيم بن الحسين الحامدي " ( 557 - 596 هجرية ) ، وهو ابن الداعي " إبراهيم بن الحسين الحامدي " ( 536 - 557 هجرية ) الذي تحمل على عاتقه نشر الدعوة الفاطمية في اليمن وما جاورها وفي الهند والسند ، وقد بذل جهوداً جبارة في نشر الدعوة وألف العديد من الكتب من أهمها كتابه الجليل في علم الحقائق الموسوم بكنز الولد ، ذكر فيه رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء والرسالة الأخيرة الجامعة منها ، وأشار إلى نظرية مؤلف الرسائل والجامعة ، فأخذ علماء اليمن بعد ذلك اتجاه " الحامدي " في درس الرسائل والجامعة ، وله – أيضاً - كتاب الابتداء والانتهاء وكتاب تسع وتسعين مسألة في الحقائق .
وبعد وفاته قام بالدعوة بعده ابنه " حاتم " ، وقد قام بالدعوة في اليمن والجزيرة العربية والهند والسند وقد كان عالماً فقيهاً كثير الإطلاع وكثير التأليف والإنتاج الأدبي ، وقد عرف الناس فضله وبيان حجته فمال إليه كثير منهم ، وقد ملك في البداية حصن كوكبان ، ولكن السلطان " على بن حاتم اليامي " الذي كان في وقتها سلطان صنعاء وقف ضده بأن أمال القبائل التي كانت تؤازره بإغرائها بالمال ، وذلك لأنه خاف منه على ملكه وبذلك انتقل الداعي " حاتم بن إبراهيم " إلى حراز، وقد أخذ يدعو الناس إليه ، ولما رأوا فضله وزهده وفصاحته وحسن موعظته وعذوبة قوله وما نشر عليهم من فضائل أمير المؤمنين " علي بن أبي طالب " ـ رضي الله عنه ـ دخلوا تحت لواء دعوته ، ثم تسلم حصن الحُطيب والذي كان من معاقل حراز الرفيعة وحصونها المنيعة ، وهناك توالى عليه أهل دعوته ، وكان زعيمهم السلطان " سبأ بن يوسف اليعبري " الذي ساعد الداعي " حاتماً " على فتح - حصن شبام حراز – وقد أحكم الداعي " حاتم الحامدي " بعد هذا الفتح - عمارة حصن شبام حراز - الذي بني في بادئ الأمر في عهد " علي بن محمد الصليحي " ( 439 - 459 هجرية ) ، وبعد فتح هذا الحصن اتجه إلى حصن لهاب ففتحه ، ثم حارب حصن حمضة حتى ملكه عنوة وهو أرفع طود في لهاب ، وكانت الحطيب وحصنها حاضرة الداعي "حاتماً" - كما سبق أن ذكرنا - وقد كان يعاضده في إقامة الدعوة الشيخ " محمد بن طاهر الحارثي " فعينه رئيساً للدعوة في صنعاء ، وجعل في كل صقيع من أصقاع اليمن داعية له ، فواصله أهل الدعوة من الهند والسند وأقطار اليمن ، وكان يجتمع بأهل دعوته في كهف كبير يقع تحت حصن الحطيب يزودهم بعلمه ، وقد حـاول هذا الداعي – بدون نجـاح - أن ينشئ مُلكاً في حراز ، وأراد أن يحمي الدعوة بالدولة كما كان الحال في أيام الصليحيين فقد وجد نفسه أمام عقبات لم يستطع أن يذللها ثم انسحب عن الميدان السياسي ، واكتفى بنشر علوم الدعوة من كهفه الواقع تحت حصن الحطيب بعد أن مات قائده السلطان " سبأ بن يوسف اليعبري " ، وبعد دخول بني أيوب اليمن تحت قيادة " توران شاه " ثم " طغتكين " استولوا على اليمن وقضوا على جميع الممالك والدويلات.
2- الضريح : تفرغ الداعي " حاتم الحامدي للتأليف " ونقل الروايات على صحتها من المحدثين، وله في الدعوة النصيب الأكبر والمكانة الأعلى وقد ألف العديد من الكتب فيها ، منها :
( كتاب تنبيه الغافلين ) في الأخلاق وذم الرذيلتين ، التحاسد والتباغض ، وضمنـه رسالتين مـن رسائل إخوان الصفا في آداب الإخوان وحسن المعاشرة وفصلاً مـن مجلس العزيز بالله الفاطمي .
( كتاب المجالس ) والموجود منه ( 52 مجلساً ) من المجلس السابع والسبعين في مناقب سيدنا " علي بن أبي طالب " ـ رضي الله عنه ـ وشئ من قضاياه وغزواته .
خمسة عشر مجلداً ( مجلساً ) تعالج مسائل مختلفة مثل المحنة والامتحان وشأن العلماء ومعنى النفس وحقيقتها ووجوب الإمامة في كل زمان وامتثال أمر أولياء الله والنصائح وتفسير بعض الآيات والأحاديث وغيرها .
وكتب أخرى كثيرة لا يوجد هنا حيزاً كافياً لذكرها بالرغم من أهميتها.
إلى أن توفي هذا العلامة في يوم السبت السادس عشر من شهر المحرم سنة ( ست وتسعين وخمسمائة هجرية ) وقبر في ضريحه الذي يقع أسفل حصن الحطيب ، وهو عبارة عن مبنى مربع تقريباً ، عليه قبة مرتفعة وبداخله التركيبة ـ التابوت الخشبي ـ ، ومازال يزوره العديد من الجماعات التي تتبع مذهبه ، من أنحاء متفرقة من اليمن ، وبعضها يأتي من بلاد الهند وباكستان .
ج - حصن شبام حراز : تقع قرية شبام حراز ، على جبل شبام ، وهو جبل يطل على مدينة مناخة من الجنوب ، يرتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي ( ثلاثة آلاف متر ) تقريباً ، وعليه حصن متين أقيم تقريباً في عهد الدولة الصليحية ، وربما أن مؤسس الدولة " علي بن محمد الصليحي " ( 439 – 459 هجرية ) هو الذي أنشأ هذا الحصن ، حيث جاء ذكر هذا الحصن في عهد الداعي " حاتم بن إبراهيم الحامدي " ( 557 – 596 هجرية ) الذي فتح هذا الحصن وقام بإحكام عمارته ، ثم ظهر بعد ذلك كحصن منيع في عهد العثمانيين لأنه يشرف على أراضي وقرى كثيرة بسبب ارتفاع قمة الجبل ، استولى العثمانيين عليه في عام ( 1871 ميلادية ) ، وأصبح إلى جانب حصن مسار من أمنع حصونهم في حراز ، ثم تم تسليمه من قبل العثمانيين إلى الإمام " يحيى بن محمد بن حميد الدين " فيما بعد بين ( 1336 – 1337 هجرية ) عقب هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى .
د - قرية الهجرة : تقع قرية الهجرة بالقرب من مدينة مناخة ، وهي عبارة عن قرية محافظة على طابعها المعماري القديم لا يقل ارتفاع منازلها عن ثلاثة أدوار متلاصقة بعضها ببعض تكون حصن الهجرة تقع على حافة هضبة شديدة الانحدار تشكل سوراً طبيعياً لها ، ولا يمكن الدخول إليها إلا عبر بوابة واحدة رئيسية ومنازل قرية الهجرة يعود إلى فترة حكم الدولة الصليحية ، قوام بنائها الأحجار المهندمة المبنية بمواد محلية غاية في الجمال والروعة تطل على مدرجات زراعية ، كما يوجد بداخل القرية ( 360 مدفناً ) للحبوب ويؤمها السياح القادمين إلى اليمن ، كما يتوفر فيها عدداً من خدمات الإيواء والإطعام السياحي .